أعلنت المفوضية العليا للانتخابات الليبية في 7 نوفمبر الجاري عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فضلاً عن كشف الشروط الواجب توافرها في المرشح للانتخابات الرئاسية، وقد أشار رئيس المفوضية، عماد السائح، إلى أن البلاد ستكون بمنزلة دائرة انتخابية واحدة، يتنافس فيها مرشحو الاستحقاقات الرئاسية كافة، حيث يتطلب فوز أحد المرشحين في الجولة الأولى الحصول على 50%+1 من إجمالي عدد الأصوات، وإن لم يحصد أي من المرشحين هذه النسبة يتم اللجوء إلى الجولة الثانية، التي يتنافس فيها المرشحان الحاصلان على أكثر الأصوات في الجولة الأولى.
مشهد مرتبك
على الرغم من دعم المجتمع الدولي لإنجاز الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، فإنه لايزال هناك عدد من التحديات التي قد تعرقل إجراءها، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- تحديات أمنية في الغرب
على الرغم من الاستقرار النسبي الذي شهده الداخل الليبي منذ قرار وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، وما ارتبط به من تجميد المواجهات العسكرية بين الشرق والغرب، فإن هذا لم يترتب عليه وقف الاقتتال الدائر بين الميليشيات المسلحة المنتشرة في غرب ليبيا، والتي تندلع من فترة لأخرى.
وقد بدأت الأوضاع الأمنية تتدهور بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة، وهو ما ارتبط بوجود محاولات تهدف إلى تعطيل إجراء الانتخابات، أو لضمان سيطرتها على المناطق ذات الوزن النسبي المؤثر في عملية التصويت، أو حتى لتعزيز هيمنتها ومكتسباتها وفرض سياسة الأمر الواقع.
2- صراعات سياسية حادة
تشهد العلاقات القائمة بين أعضاء السلطة الانتقالية أزمات داخلية متفاقمة، فإلى جانب التوترات التقليدية بين حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب في طبرق، اندلعت خلافات بين الحكومة والمجلس الرئاسي، والتي تجسدت بوضوح، أخيراً، حول ملف إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وكذلك داخل حكومة عبدالحميد الدبيبة ذاتها، كما في الخلافات بين الأخير والنائب الأول لرئيس الحكومة الليبية حسين القطراني.
3- الخلاف حول قانون الانتخابات
لاتزال هناك توترات حادة بين الأطراف الليبية بشأن قانونَي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فعلى الرغم من اعتماد المفوضية العليا للانتخابات على القانونين الصادرين عن البرلمان الليبي، فإن الرفض لايزال مستمراً من قبل المجلس الأعلى للدولة، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان»، للقانونين ومساعيه لعرقلة إجراء الانتخابات.
وقد ازدادت الأمور تعقيداً بعد تدخل البعثة الأممية، ومطالبتها البرلمان بإجراء بعض التعديلات على القوانين المنظمة للانتخابات، تتضمن إزالة العوائق أمام ترشح شاغلي المناصب الانتقالية في الدولة، في إشارة إلى عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة، والذي كشف عن نيته الترشح، فضلاً عن طلب تعديل موعد الانتخابات البرلمانية بحيث يتم إجراء الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية بشكل متوازٍ في موعدها المقرر، وهو ما يفتح الباب أمام أزمة قانونية جديدة.
4- محاولة إخراج المرتزقة
تعكس المتغيرات الراهنة وجود توافق أوروبي – أميركي بشأن تسوية الأزمة الليبية، خصوصاً في ما يتعلق بملفي الانتخابات وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية، وهو ما ينعكس بوضوح في البيانات المشتركة التي تصدر بشكل متكرر عن سفارات هذه الدول، وإن كانت الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغوط في الواقع العملي على تركيا لإخراج المرتزقة السوريين، ويبدو أن واشنطن تعمد إلى توظيف الدور التركي كورقة لمساومة روسيا لإخراج مرتزقتها من شرق ليبيا.
السيناريوهات المحتملة
في إطار المعطيات السابقة، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن مسارات المرحلة المقبلة المرتبطة بالانتخابات، تتمثل في ما يلي:
1- سيناريو تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى
على الرغم من وجود تحركات داخلية مكثفة من مفوضية الانتخابات لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها في ديسمبر المقبل، فإن ثمة مؤشرات تعزز من احتمالية تأجيلها، تتمثل أبرز هذه المؤشرات في محاولات أعضاء السلطة الانتقالية عرقلة إجراء الانتخابات على الرغم من إعلانهم الرسمي الالتزام بموعد الاستحقاقات.
وتتمثل أبرز المؤشرات على إمكانية تأجيل الانتخابات في العوامل التالية: تأكيد تقرير صادر عن موقع «أفريكا أنتليجنس» (Africa Intelligence) الفرنسي، إلى ضغوط تقوم بها عائلة الدبيبة لتأجيل الانتخابات، وهو الأمر ذاته الذي أكده نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية حسين القطراني، والذي ألمح إلى أن «كل من هو في السلطة حالياً لا يريد إجراء الانتخابات».
كذلك، يمثل قانون الانتخابات مشكلة أخرى، خصوصاً إذا ما تم قبول الدعوة القضائية التي تقدم بها رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، للطعن على دستورية قانون الانتخابات الرئاسية، مع بقاء احتمالية الطعن مطروحة حتى في حال إنجاز الانتخابات.
من جهة ثالثة، فإن تردّي الوضع الأمني في غرب ليبيا، في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة على المشهد، مع محاولات من قبل عناصر «الإخوان»، وفي مقدمتهم قيادات مجلس الدولة الاستشاري التلويح باستخدام العنف المسلح للحيلولة دون إجراء الانتخابات في منطقة الغرب الليبي، يمثل عاملاً مرجحاً لتأجيلها، خصوصاً بعد التحركات التي يقوم بها خالد المشري من خلال الاجتماعات بعدد من عمداء وأعيان مدن غرب ليبيا، لتحريضهم على منع الانتخابات في مناطقهم.
ويضاف لذلك دور العامل الخارجي، خصوصاً تركيا، في عرقلة إجراء الانتخابات للحفاظ على مناطق نفوذها، والتي قد تخسر وجودها العسكري هناك في حالة انتخاب رئيس لا ينتمي لتيار «الإخوان».
ويلاحظ أن تأجيل الانتخابات من دون وضع إطار زمني محدد سيدفع ببعض الأطراف الداخلية إلى التشكيك في شرعية حكومة الوحدة بعد تاريخ 24 ديسمبر المقبل، ومن ثم عودة الحكومة الموازية في شرق ليبيا، وترسيخ الانقسام الداخلي، مع تصاعد احتمالات عودة الصراع المسلح بين الشرق والغرب، وهو السيناريو الذي حذرت منه وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش.
2- سيناريو تعديل الخريطة الأممية
يقوم هذا السيناريو على تدخل الأمم المتحدة مدعوماً من قبل القوى الدولية بطرح مبادرة جديدة تتضمن إطاراً زمنياً جديداً للانتخابات البرلمانية والرئاسية لا تتجاوز الستة أشهر، يسبقها حلحلة لأغلب الملفات الخلافية، وفي مقدمتها القوانين المنظمة للانتخابات وشروط الترشح، وملف المرتزقة والقوات الأجنبية.
وربما يدعم هذا السيناريو دعوة المبعوث الأممي، يان كوبيتش، في 30 أكتوبر الماضي بشأن إدخال بعض التعديلات حول القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما جاء بالتوازي مع مبادرة عضو المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي، والتي تنطوي على مقترح مفصل لخريطة طريق سياسية جديدة، تتضمن تأجيل موعد الانتخابات إلى ربيع 2022، بدلاً من الموعد المحدد في 24 ديسمبر المقبل.
3- سيناريو إجراء الانتخابات في موعدها
هناك مؤشرات ربما تعزز احتمالية هذا السيناريو، لعل أبرزها هو استمرار التحضيرات اللوجستية استعداداً لعملية التصويت، فضلاً عن إعلان العديد من الأطراف الفاعلة في الداخل عن ترشحها للانتخابات، في مقدمتهم خليفة حفتر، وفتحي باشاغا، مع استعداد سيف الإسلام القذافي للترشح، كما أن التحركات المكثفة للدبيبة استعداداً لإعلان ترشحه في الانتخابات تعكس مؤشراً محتملاً على تخلي «الإخوان» عن سياسة عرقلة الانتخابات إلى دعم إجرائها، خصوصاً أن الدبيبة يعد محسوباً على تيار «الإخوان»، وإن كان من الملحوظ أنه لم يتم حسم الموقف القانوني لإمكانية ترشح الدبيبة حتى الآن.
وربما تمثل الضغوط الدولية، الأميركية والأوروبية بالأساس، والأممية، مؤشراً آخر بشأن إمكانية إنجاز الانتخابات في موعدها، خصوصاً بعد إعلان نائبة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو، في 22 أكتوبر الماضي، وصول مجموعة من المراقبين الدوليين إلى ليبيا.
تحديات قائمة
يلاحظ أنه حتى في حالة نجاح ليبيا في إجراء الانتخابات في موعدها، فإنها لاتزال تواجه بعض التحديات التي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- محاولة إعاقة التصويت في الغرب:
ففي حالة إنجاز الانتخابات في موعدها، فلا توجد أي ضمانات بشأن منع حدوث انفلات أمني يعرقل عملية التصويت أو يؤثر في سير العملية الانتخابية، خصوصاً في منطقة الغرب الليبي، التي تتراجع فيها سلطة الدولة لمصلحة طيف واسع من الميليشيات، سواء المنضوية تحت مظلة حكومية أو خارجة عنها.
2- رفض نتائج الانتخابات:
يلاحظ أن هناك إشكالية أخرى تتعلق بمدى القبول المتوقع بالنتائج التي ستسفر عنها عملية الاقتراع، إذ إن الطرف الخاسر سيرفض غالباً نتائج الانتخابات، وهو ما قد يفتح المجال أمام سيناريو التقسيم والحرب الأهلية، خصوصاً أن القائد الإخواني، خالد المشري، كان قد لوّح باللجوء إلى العنف حال فوز حفتر بالانتخابات الرئاسية.
3- مخاطر شرذمة أصوات الناخبين:
هناك معضلة أخرى تتعلق بخريطة المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، والتي ربما تؤدي إلى تفتت أصوات الناخبين بين أطراف مدعومة من القاعدة الشعبية نفسها، وهو ما ينطبق بالأساس على كل من حفتر وسيف الإسلام، وكذلك عقيلة صالح، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة هذه الأطراف وحسم الفوز لمصلحة طرف آخر حال عدم التنسيق بينهم.
تحركات
يبدو أن ثمة تحركات دولية وإقليمية مكثفة للبحث عن صيغة توافقية بشأن مسارات الأزمة الليبية وتجنب العودة إلى المربع الأول، وعلى الرغم من أن المعطيات الراهنة تعزز من سيناريو إجراء تعديلات على خارطة الطريق تتضمن إطار زمني جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، فإن الحراك الدولي والإقليمي والاتصالات المكثفة بين الفواعل كافة ربما تفرز صيغة توافقية جديدة تدفع نحو إجراء الانتخابات في موعدها.
• ربما تمثل الضغوطات الدولية، الأميركية والأوروبية بالأساس، والأممية مؤشراً آخر بشأن إمكانية إنجاز الانتخابات في موعدها، خاصة بعد إعلان نائبة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو في 22 أكتوبر الماضي وصول مجموعة من المراقبين الدوليين إلى ليبيا.
• تأجيل الانتخابات من دون وضع إطار زمني محدد سيدفع ببعض الأطراف الداخلية إلى التشكيك في شرعية حكومة الوحدة بعد تاريخ 24 ديسمبر المقبل، ومن ثم عودة الحكومة الموازية في شرق ليبيا، وترسيخ الانقسام الداخلي، مع تصاعد احتمالات عودة الصراع المسلح بين الشرق والغرب، وهو السيناريو الذي حذرت منه وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش.